الاثنين، 26 ديسمبر 2011

مؤتمر دولي في دار الكتب

تصادف تزامن انعقاد المؤتمر الدولي الذي تنظمه دار الكتب والوثائق القومية عن »الأرشيف والثورة« مع حدوث كارثة ألمت بتراث مصري يعود إلي القرن الثامن عشر، وهو حريق مدمر أتي علي المجمع العلمي، حيث تم تدمير المبني بما يحتويه، والكارثة الكبري في عدم تأمين المبني وتوثيق ما به من كتب ومخطوطات وخرائط ودوريات، وهذا الحدث الجلل دفع الدكتور محمد صابر عرب، رئيس مجلس ادارة الدار إلي إلغاء حفل الافتتاح الذي كان مقررا عقده بدار الأوبرا مساء الثلاثاء الماضي والإبقاء علي اقامة الفعاليات التي بدأت صباح الأربعاء الماضي واستمرت يومين، تم فيها مناقشة عدة قضايا بدأها د. عماد أبوغازي عن إشكاليات توثيق الثورات، مشيرا إلي أن الثورة حالة استثنائية في المجتمع، وانتاج الوثائق فيها مختلف تماما عن الوضع العادي، حيث تظهر أنواع غير تقليدية يفاجيء بها العامل في الأرشيف العادي، ومن هنا تأتي أشكالية كيفية التعامل معها، ويوضح د. أبوغازي أن الثورة عملية هدم وبناء، وبالتالي يصاحبها هدم وبناء لوثائقها، وضرب مثالاً علي ذلك بالثورة الفرنسية، وكان نتيجتها إنشاء الأرشيف القومي بفرنسا، ومثال آخر في ثورة 25 يناير المصرية وما تم فيها من اقتحام مقار أمن الدولة وتدمير الآلاف من الوثائق والأوراق ومن المحتمل اختلاق وثائق أخري كاذبة فضلا عن وجود آليات متعددة لتوثيق الثورة، ومن هنا نجد إشكالية إعداد عقلية أرشيفية مختلفة لتتعامل في كيفية جمع هذه المادة وتقديمها، وظهور فكرة الموثق المستقل ومهمة الأرشيف القومي في جمع المادة التي يقوم بانتاجها.
وقدم د. محمد عزت أمنة (آداب القاهرة) معالجة لكيفية تخطيط وادارة الكوارث لوثائق وأرشيفات مؤسسات الدولة، وهي تتمثل في تأسيس نظم الحفظ، واجراء عمليات ادارة الوثائق والأرشيفات، ووضع خطط طواريء وادارة أزمات للحفاظ علي هذه الوثائق وأرشفتها.
وكانت التشريعات أحد المحاور الرئيسية لأعمال المؤتمر، فتحدث د. أحمد المصري (آداب بني سويف) عن التشريعات المصرية ودورها في حماية الوثائق، فأوضح أن أماكن حفظ الوثائق هي البدرومات وما بها من رطوبة أو الاسطح فتؤدي إلي تلفاها وفقدها في كثير من الأحيان، وأرجع السبب في ذلك إلي عدم وجود قانون واضح يحدد كيفية التعامل مع الوثيقة في كل مراحلها، وهو ما يؤدي إلي احتفاظ بعض الجهات والأفراد بوثائق لديهم، ما كان ينبغي لهم الاحتفاظ بها، يضاف إلي ذلك عدم معرفة بضع الموظفين ووعيهم الكافي بالقوانين والتشريعات التي تحكم التعامل مع الوثائق، وأخيرا طالب د. المصري بضرورة اصدار قانون جديد للوثائق، خاصة أن القانون رقم 356 لسنة 1954، وهو المعمول به الآن، به الكثير من أوجه القصور، وفي حاجة إلي الكثير من التحويلات خاصة فيما يتعلق بالوثائق الالكترونية، ووضع مواد تلزم المصالح الحكومية بضرورة تسليم وثائقها التي انتهي عمرها الاداري إلي دار الوثائق القومية، مع اعطاء دار الوثائق سلطة تمكنها من ذلك مع وضع سياسات واضحة للاطلاع عليها في هذه المرحلة.
ولفت د. عزت سعد حسان إلي أن الأرشيفات المتطورة لم تعد مراكز لاقتفاء وحفظ الوثائق المكتوبة فحسب، بل أصبحت مستودعات مصرية شاملة تضم الوثائق علي اختلاف أنواعها، وقال د. عزت أن التسجيلات الصوتية من الأشكال غير التقليدية التي تعتمد علي صوت الانسان، وتتميز علي ماعداها بأنها تحمل نوعيات معينة من المعلومات ذات طبيعة خاصة لايمكن لغيرها من الوسائط أن تحملها، مشيرا إلي أنها تتطلب امكانات ومعالجة وتجهيزات فنية غير التي اعتاد عليها الأرشيفيون مع الوثائق التقليدية.
وفي مداخلته ربط الباحث راضي محمد جودة (بدار الوثائق) بين وضع السويس في ثورة 25 يناير، وبين وضع ضاحيتي سيدي بوزيد (تونس) ودرعا (في سوريا)، وتناول الباحث المصادر التي اعتمدت والتي تمثلت في تقارير النيابة، وشهادات الطب الشرعي، وشهادات الوفاة الصادرة عن مكاتب الصحة، وروايات الشخصيات العامة ذات الثقل الثقافي أمثال (الكاتب حسين العشي، كابتن غزالي (في السويس)، وبعض الفيديوهات علي الانترنت، كل هذا ساهم في اصدار كتب عن الثورة في السويس متضمنة مقابلات مع أسر الشهداء.
وقدم د. أحمد عبدالدايم (معهد البحوث الافريقية) عرضاً عن أرشيف الاسلاميين خلال ثمانية عشرة يوما من عمر ثورة 25 يناير، وتقديمه قراءة في البيانات الرسمية التي صدرت عن التيارات الاسلامية في مصر أمثال: الاخوان المسلمون، حزب العمل الاسلامي، الجماعة الاسلامية، السلفيون.
وأكملت د. أمنية عامر (آداب القاهرة) مضامين المادة الارشيفية بأرشيف الصور، فأكدت أن الصورة الفوتوغرافية أصبحت منذ الثمانينيات مصدرا أرشيفيا مهما ومكملا لواقع الأحداث حيث تنوعت المصادر الأرشيفية وتعددت، فلم تعد تقتصر فقط علي الوثائق الورقية وحسب أو الالكترونية التي تم ادخالها علي الحاسب الآلي، وبينت د. أمنية كيف أن الصورة مع غيرها من المصادر تكمل المشهد التاريخي، ورصدت في بحثها اسهام الصورة في توضيح الحدث منذ أن كانت ترسم باليد حتي ظهور الفوتوغرافيا في نهاية القرن الـ 19، وتم توظيفها بشكل خاص في ثورة 25 يناير، حيث لعبت الصورة دورا ثابتا لايمكن انكاره، فمن خلالها تأكدت حقائق وفندت أقاويل واتضح زيف وعدم صحة وقائع، وأكدت د. أمنية أن الصورة الفوتوغرافية كانت فاعلا مهما في تسجيل ثورة 25 يناير، وكذا ملفات الفيديو التي رصدت كثيرا من أحداثها صوتا وصورة.
ومن فلسطين قدم د. قاسم أبوحرب عرضا لأرشيف الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في سجون معتقلات الاحتلال، كما شرح د. محمد محمود العناقرة (جامعة اليرموك) الموقف الأردني تجاه الثورة المصرية (25 يناير) من خلال ارشيف الصحافة الأردنية وهي صحف الرأي، الدستور الأردنية، العرب اليوم، وصحيفة الغد الأردنية.
وتناول د. أندرياس كيلوهالس (سويسرا) قضية الأرشيف الفيدرالي السويسري والتعامل مع الماضي، من الترويج إلي التنوير كما تناولت د. بسمة مخلوف شبوح (تونس) قضية الاتاحة كأحد أبعاد جودة الوثائق من أجل مزيد من الشفافية للمعلومات العامة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق