من جورج جحا
في مجموعة "ثورة امرأة" للشاعرة السعودية اروى عاشور سمتان بارزتان.. ثورة امرأة كما يحمل العنوان وهي ثورة ترتدي اشكالا تعبيرية "سياسية" احيانا وامر اخر قد لا يكون ايجابيا بقدر الامر الاول..
هذا الامر الاخر هو سمة تجعل كثيرا من قصائد المجموعة تبدو اقرب الى النثر منها الى الشعر بل انها ليست حتى قريبة مما يعرف الان باسم "قصيدة النثر" او ما يسكن بعض نماذجها الناجحة من شعرية دافئة.
ورد الكتاب في 110 صفحات متوسطة القطع وبلوحة غلاف تشكيلية للدكتورة اروى عاشور ايضا وصدرت المجموعة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.
بعد الاهداء الذي وجهته الشاعرة الى امها و ابيها وصديقاتها واصدقائها ونساء عائلتها الرائدات ننتقل الى قصيدة "مقدمة" المؤلفة من بيتين وهي حائرة بين ان تكون شعرا عموديا اذ ينقصها استقامة الوزن وبين شعر نثري منعت عنه هذه الصفة بفرضها عليه وزنا وقافية غير سليمين.
تقول "رسائل من الغرام اكتبها 'خبايا الارض تشقيها' ورسائل غفران انت تكتبها/ دماء الارض لا تشفيها".
في قصيدة "المقهى" ما قد يكون اقرب الى الشعرية من كثير غيره. تقول "بهذاالصوت العميق اعلن انطلاقي من هذا المقهى.. (بصوت الكرسي المزعج اعلن قيامي عن هذا المقعد..) رحيلي بعيدا وانطلاق الكلمات..
"منذ هذا الوقت بدأت اصارع في كتاباتي/ وابحث عن دفاتر الماضي واوراقي الضائعة عن كلماتي المبعثرة".
القصيدة تختلف نسبيا عن غيرها من قصائد تفتقد الى التوتر الشعري الدافىء والى الايحاء على رغم ان بعضها عوض عن التوتر بشيء من الصخب والضجيج وهما لا يشكلان توترا فنيا بالضرورة.
في قصيدة "الدمعة الرحيل" امتلاء بالاشارات السياسية والاحداث التي جرت في بلدان عربية في السنة الاخيرة بشكل خاص الا انها لم تفد من هذه الاحداث لتحولها الى تجربة عميقة بل اكتفت بالحديث عنها بما يشبه الحديث النثري غير الفني في الغالب.
تقول "مع ثورة الياسمين مع ثورة اللوتس وثورة 25 يناير كانت اولى الثورت في قلبي/ وكان اعلان التحدي على كل سنوات الصمت والقهر. سنوات السبات/ لا ندري باي مخدر كنا نحيا في اعماق الصمت".
وتضيف "مع ثورة ليبيا وانهيار جدار الصمت/ سقط جدار الصمت في قلبي/ واعلنت الحرب والحب (واعلنت التمرد على الوطن) وطني الام وطني انت وطني الاب/ انقلبت على نظامك عندما احسست انه لم يعد البلد الامن لي/ وان سنوات عيشي فيه ما هي الا قبري احفر به ايامي القادمة معك/ وان حضنك ما هو الا لعبة كبيرة يلعبها اكبر الجلادين في النظام ..انت".
وتنتقل من قضية حب خاصة الى موضوع سياسي عام فتقول مستخدمة الفاظا سياسية واخرى تتعلق بالحكم والدولة واسماء اماكن غدت شهيرة وباسلوب يذكر بنزار قباني في بعض قصائده "ايا ظالم الغرام وطاغية العشق والاحلام/ ايا صدام..
"ابدت قلبي كما ابدت الاكراد (قتلت روحي كما قتل الليبيون في المجازر) سالت دمائي كدماء الفلسطينيين/ لا رائحة لها/ كذبت عليّ/ عندما وضعت دستور حبنا للابد/ وسقط نظامك كما سقط الباقون/ لان قوانينه لم تكن عادلة/وشعبه جائع كما الجوع في قلبي.
"ساقف ثائرة في ميدان التحرير حتى اسقط نظام حبك للابد/ ساكون شهيدة كل المجازر لان روح الشهيد لا تموت (لاقصف بكل المدافع )لاقتل بكل البنادق (حتى اكون رمزا لقضية حق وكرامة امرأة) اني اريد ان ادخل التاريخ دفاعا عن ارض حبي وساحة المعركة".
وتضيف "اني لا اود السلام فانت لاتستحق ان تعيش كالاصدقاء (فحتى اليهود وقعت معهم معاهدة السلام...) ساكون معك كالقضية الفلسطينية عالقة على طاولة المفاوضات/ ساكون لك كفلسطين وطنا لا تستطيع العودة اليه/ وساكون كالقدس نحلم ان نصلي فيه.
"دعوتك للنضال فلم تطع/ قلبا اراد ان يعيش في سلام في مملكة الحب الى الابد".
في قصيدة "لا وجود للكلمات" قد يشعر القارىء بانه لا يفهم ماذا يقال ولربما كان عليه ان يخترع معنى لما يقال او ان يتكهن بمعنى يبقى مع ذلك غير قريب.
تقول بهذا الشكل حرفيا "معاناة امرأة/ لقد اضربت الطعام والنوم والهيام/ لقد نقلتني من قمة السعادة الى قمة الشقاء/ لماذا لا تستمر السعادة.. لماذا لا تتحقق الاحلام/ ولماذا يسيطر شبح الذكريات وراءنا..".
وفي قصيدة "ساحة المعركة" نعود الى السياسة و نعود الى البحث عن الايحاء الشعري وسط كلام عادي.
تقول "لقد سقط حبي كما سقطت القسطنطينية/ كما جثث القتلى وجثث ودماء تبعثرت ( كما تبعثرت اورق القلب وتبعثرت معها اوراقي وتلطخت بداء الموتى) لا تقرأ من دونها السطور/ لقد سقط الحب وايما سقوط...
"سقوط الشهيد في نصره وسقوط البطل في ساحة الاستشهاد/ عظيما في سقوطه (جميلا في دمائه) ابيض القلب ثائرا على واقعه/ متمردا على قيوده/ سقط ولم يسقط/ وانما سقطت كل المشاعر الزائفة".
بعض قصائد المجموعة سمتها الشاعرة قصصا ولعل ذلك اقرب الى واقع نثريتها بصرف النظر عن القيمة الشعرية والقصصية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق