عند خاتون سلمى في مجموعتها الشعرية "آخر نزلاء القمر" صور في جمال وإيحاء في المقطوعة المفردة من قصائدها فكل واحدة تبدو للقارىء كأنها مقطورة جميلة معبأة بمجازات ورموز.. لكن المشكلة هي ان القارىء يتمتع بالمقطورات ولا يرى القطار كاملا ولذا يصعب عليه السفر بعيدا.
المقصود بهذا ان في شعر خاتون سلمى تركيزا جماليا على المقطع في حد ذاته لكن القارىء قد يتعب عندما يحاول تصور فكرة عامة عن القصيدة ككل فهي جماليات متقطعة مستقلة او شبه مستقلة في احسن حال ولذا فالقارىء قد يشعر بضيق اذ لا يستطيع ان يربط بين اقسام القصيدة المختلفة وإن كانت اقساما جميلة موحية في حد ذاتها.
ثم ان خاتون سلمى التي تكتب نوعا من قصيدة النثر قد نجدها احيانا تلزم نفسها بنوع من السجع ربما كانت تريده ان يكون قافية حيث لا ضرورة للقافية بل يبدو انها ربما حملت ضررا الى القصيدة.
للشاعرة مجموعة شعرية سابقة اما مجموعتها الحالية فقد جاءت في ست قصائد طويلة توزعت على 71 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار الجديد في بيروت.
المجموعة مهداة "لمن خاطب صمتي وأهداني قمرا".
القصدة الأولى حملت عنوان "تصل القصيدة وحدها" وفيها تقول في بداية ربما اثارت التساؤل عن المقصود بها اسلوبا ومحتوى "ذلك الصوت الخاوي/ مكابدة شفاهي/ اعادة الكرة/ المرة تلو المرة".
ثم تقول متسائلة "هل كنت المتكلم/ ام المخاطب؟/ هل مازلت الجرح/ يعبث بصدأ الشفرة؟/ كنبي الطيور المهاجرة/ ألوح بسياط العناصر/ وكي اقوى على الافتراق/ مازلت على شرفة الشوق اهذي.
"على قش كرسي ممزق/ عند فسحة الغربة وظلها/ هناك/ دمع اسمر/ بصنارة الهلع/ يصطاد حواره مع السماء/ هكذا تتم الاواصر/ بين طمأنينة وجزع/ وحارسة الكهف/ تضع احمر الشفاه".
ونصل الى قولها "اهكذا يولد الحزن/ على اسرة الغرباء/ فوق بلاط مرقط/ والطفلة تعيد الدمية/ الى وجع المساء؟".
خاتون سلمى لا ينقصها التوتر الشعري ولا الصور وإنما قد يصعب على القارىء الربط بين اقسام قصائدها.
وتتابع قولها "لم يكن لديها من الاصابع ما يكفي/ كي ترسم غيما/ لم يكن لديها من الحروف ما يكفي/ كي تسقيه حضنا/ كتعويذة خرساء/ تتلوها شفاه العجائز/ شقت اجفان المطر/ مبللة وراء زجاج مقاه/ لن تدخلها/ عرافة ومظلتها/ بلسان آلهة صغار/ تقرأ لها.
"سنقتات بالملح/ بمجامر الخوف/ ترتدي اسمالا تليق بعتبات الاولياء/ سيناورها الألم يخدر الكأس/ بشهقة الشهداء/ يؤرقها الممكن الذي اغفلته/ تسحل الفتنة عينيها/ نحو ما دشه الشاعر في حجر الضباب".
القصيدة هذه التي تصلح نموذجا لسائر ما ورد في المجموعة تختتمها الشاعرة بشكل جميل لكنه لا يبدو كبير الصلة بما ورد من اقسام سابقا. تقول "ستصل الطلفة وحدها/ لن يكون لها سوى اسمها/ سريرها المترع بالحصى/ وبلسان المغيب/ رائحة نومها من مطر الخريف/ بقايا شعرها في كف الريح".
في قصيدة "لا احد في انتظاره" مثلا نقرأ مع الشاعرة حيث تقول "ان تخفي الانياب/ عن قمر من حليب/ ان تنضح حبا/ والعرق غبش المرايا/ ان تمد يدك ليدك/ تلوح ماضيا/ نحو اللاشيء".
تضيف بعد ذلك "يصل الدمع وحيدا/ واليد التي لوحت/ لممرات الرحيل/ تجر الحنين/ حقيبة اثر حقيبة/ لشمع السهر/ لعسل الصباح/ لنسيج ايام في زهر ثوب/ لاغنيات زرقاء/ لتعاويذ من فيروز وذهب/ لعين تسهر/ على غفوة نهد".
في قصيدة "الاخرون" نصادف شيئا من ذلك التسجيع اذ تقول الشاعرة "سيغفو عني/ مذاق العشاء/ وتغفر لي نذور المائدة/ وردتي الغافية في الاناء/ ولا مبالاتي/ ان نسي لون شمعي الاصدقاء/ هيا اخرج / ايها الشيطان المدثر/ ان كانت لي منصة/ بلاغة/ استعارات/ صهوات/ بدلت ملابسها/ لترتدي العراء".
0 التعليقات:
إرسال تعليق