الجمعة، 4 مارس 2011

'طوق الحمام' تحمل خصوصية روائية سعودية في قائمة البوكر العربية

رجاء عالم: أسعدني صعود 'طوق الحمامة' كتدشين لآلية في الكتابة أحاول تكريسها من خلال أعمالي.

كتب ـ محمد الحمامصي

صورة الماضي توثيقا بالحاضر

تنتمي الكاتبة السعودية رجاء عالم إلى أحدث جيل من الروائيات السعوديات منذ ظهور الرواية في السعودية في النصف الثاني من القرن العشرين، واستطاعت من خلال عدد من الأعمال الروائية المتميزة مثل "ستر"، و"سيدي وحدانة"، و"خاتم"، و"موقد الطير" أن تحتل موقعا مهما على خارطة الرواية العربية، وقد حصدت روايتها "أربعة صفر" جائزة ابن طفيل للرواية من المعهد الإسباني العربي للثقافة في تونس، وفازت عن مجمل أعمالها بجائزة الإبداع العربي لعام 2007، وجاء صعود روايتها "طوق الحمام" ضمن القائمة القصيرة للبوكر العربية ليؤكد خصوصية كتابتها، هذه الكتابة التي تختص بسردية رمزية صوفية / غنوصية عميقة، وفق رؤى كونية مفتوحة.

صعود "طوق الحمام" لم يؤكد خصوصية رجاء وحدها، ولكن يؤكد خصوصية الرواية السعودية أيضا التي بدأت تتشكل ملامحها مع كتاب وكاتبات مثل رجاء وبعض أبناء جيلها، وهذا ما أكدته حين قالت "أسعدني صعود الرواية لا لكونها رواية لرجاء عالم، وإنما كتدشين لآلية في الكتابة أحاول تكريسها من خلال أعمالي، هذا الخط الكتابي الذي يعتمد فتح السدود بين العصور واستلهام التاريخ لقراءة الحاضر واستلهام الحاضر لإعادة قراءة الماضي".

ترسم رجاء في "طوق الحمام" صورة الماضي توثيقا بالحاضر بالنسبة لمعالم مدينة مكة، وتحصرها في زقاق أبوالروس، وتشرح لماذا سمي بهذا الاسم، لأن أربع رؤوس قطعت لرجال أربعة في الزمن الماضي البعيد، كانوا قد استغلوا احتفالات قدوم المحمل المصري الحامل لكسوة الكعبة الجديدة، فتسللوا وسرقوا الكسوة القديمة، وبعد إدانتهم نفذ فيهم حكم الإعدام وصلبوا "رفعت رؤوسهم على حزمة رماح كشواهد ببقعة القبض عليهم" وتتوالى المسميات المكية العريقة تاريخيا، والتي عايشت بعض التحولات الاجتماعية والعمرانية وبروز معالم جديدة واختفاء قديمة لها تجذرها في أعماق المعاشرين لها، فجبل هندي وجبل أبي قبيس، والشامية والقرارة، والفلق وريع الحجون، وجرول، وحارة الباب وغيرها من الأماكن التي تتحرك مع الحروف وكأنها تتكلم.

كما أن الحارات تجيء بالأسماء والألقاب التي تتميز بها بيئة مكة مثل: تيس الأغوات "يهرب مانيكان" ويماثله تيس القرارة، وطاهر كتلوج في المزمار، وأبوعرام، وأم السعد، والعشي "لصحف حشيشة العشي الذي يقرأ ولا يكتب نصف أمي"، وبدت بعض المسميات العامة في حياة الناس كـ "المسروقة" وهي السقيفة عند الشوام، وكانت موجودة في معظم البيوت لتخزين المواد التموينية، ورغم تحديد الأحداث في مكة إلا أن هناك بعض الخروج، وهو من مقتضى السرد والأحداث إلى الطائف ومستشفى شهار وجدة والمدينة المنورة حيث فرضت بعض الوقائع تحرك بعض الشخصيات إلى تلك المدن القريبة من مكة، كتحركات المحقق ناصر إلى جانب الشخصيات التي ترددت أسماؤها كفاعلة ومتفاعلة بالأحداث، معاذ المصور، والكاتب يوسف، وخليل الطيار، ومزاحم البقال، والشيخ داود أبوالمصور معاذ، ومشبب وعائشة، ونورة ورافع، وشخصيات هامشية ولكنها تبرز بمقتضى الحدث.

يقول الناقد د. معجب الزهراني "إن أعمال رجاء عالم الروائية لم تستلهم النص التراثي فحسب بل استلهمت بعض التقنيات الكتابية التراثية، فعلى سبيل المثال نرى رجاء وقد وظفت لعبة الأرقام في كتابتها، أو ما كان يسمى "حساب الجُمل" في البلاغة القديمة، لكن هذا الاستخدام كان مزيجاً من البعد الفلسفي المنطلق من توظيف الرقم الرياضي في النص بوصفه نوعاً من التجريب الكتابي واستحداث أنماط كتابية جديدة موازية للكتابة الأم، وذلك نابع من استلهام القاعدة الفلسفية التي تنطلق منها الكتابة الرقمية والتي تقول: "إن كل شيء هو في النهاية رقم كما قال بذلك الفيثاغوريون، واعتمدت في تبني ذلك على حساب الجُمَّل الذي تتكون حروفه من "أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص قرشت، ثخذ، ضظغ"، لقد بدأ إدخال تقنية حساب الجمَُّل في الأدب العربي منذ فترات بعيدة، قيل: إنها من العصر الجاهلي، وقيل من العصر العباسي، لكنها فارقت بتوظيف حساب الجمل الطريقة العتيقة، إذ إن حساب الجُمَّل كان يؤتى به للتأريخ للأحداث بذكر اللفظ الذي يعني الحساب بين قوسين، غير أن توظيف حساب الجمل في نص (طريق الحرير) على سبيل المثال قد تم بشكل مغاير، وذلك عبر كتابة العدد الرياضي الذي منه نصل إلى الحرف الأبجدي، والمتأمل لموجة ما بعد الحداثة سيلحظ اهتمامها بالتفاعل مع الأشكال التراثية المهمشة التي خلقت وأوجدت هذا الكسر للقوانين السردية الحديثة، وأعتقد أن كتابة رجاء تنتمي بصورة واضحة إلى هذا التيار".

ويضيف "نصوصها تؤكد ذلك، فمن اللافت أن نجد نصوص رجاء قد كسرت قيود الأجناسية الأدبية بتبنيها ملمح التجاوز للجنس الأدبي وكأنها تؤسس بذلك لنوع آخر من الكتابة المستقلة التي لا تندرج تحت جنس معيّن، ولذا فإنه يمكن عد هذه الكتابة كتابة متحررة من أسر القيود المفروضة على كافة مستويات الكتابة ابتداء من المفردة وانتهاء بقوانين الأجناسية الأدبية، إن عدم الالتزام بتلك القوانين الروائية السائدة قد أوجد نصوصاً تشكلت من الأجناس المختلفة، إلى جانب كونها سنّت قوانين نصية جديدة التزمتها الكاتبة قبل هذا النص في مجموعتها القصصية السابقة (نهر الحيوان)، و(مسرى يا رقيب) ثم (سيدي وحدانه) و(موقد الطير) إن تلك الظاهرة موازية تماماً لما أرادت قصيدة النثر العربية تحقيقه وإنجازه، حيث وصلت في نهاية الأمر إلى إيجاد قوانين ونظم نصية جديدة لها".

0 التعليقات:

إرسال تعليق