لا أحب عبادة الأصنام.. أو تقديم القرابين لها. لا أحب كهنة المعابد الذين يمتلكون وحدهم الحقيقة المطلقة، أو كهنة المثقفين الذين ظلوا يسبحون بحمد الطاغية وأشاعوا الدجل والخرافة لثلاثين عاما ثم عادوا ليلبسوا كهنوت الثورة ويتحدثوا باسمها. قد يتساءل البعض عن أهمية وجدوى الشأن الثقافي المصري في ظل الحراك السياسي الذي تشهده بلادنا ودول المنطقة، والإجابة أن صناعة الطواغيت التي برعنا فيها تمت على أيد هؤلاء الشرذمة من المثقفين الذين ساروا في ركاب السلطة ونعموا بموائدها الفاخرة، وتقلدوا كل الأدوار، وحجبوا الفرصة عن أجيال وأجيال ضاعت وأضاعت معها الأوطان. فبدلا من أن يصبح المثقفون ضمير الأمة باتوا ضمير مؤسسة الفساد الكبرى التي حطت بخيوط العنكبوت على كل بقعة في أرض هذا الوطن.. فقتلت الإبداع وهمشت المبدعين خارج إطار المؤسسة الفاسدة. وكنت أستعيد موقف المثقفين المصريين الفاتر من تعيين فنان محدود الموهبة وزيرا لثقافة مصر بقى يجثم على أنفاسها لعشرين عاما وزرع في أرضها كل بذور الفساد، وأقارن بين رد فعلهم الغاضب على تعيين الصاوي وزيرا للثقافة وعدم منحه فرصة التعبير عن رؤيته ثم ترحيبهم بصعود د. عماد أبو غازي من رئاسة المجلس الأعلى للثقافة إلى مقعد الوزير. وكأنهم يتواطؤون لصالح النظام الثقافي القديم ولن يعطوا الفرصة لتغيير ما.. (ليس المقصود هنا الدفاع عن الصاوي كاسم قد يصلح أو لا يصلح، إنما فكرة الاستعانة بأحد من خارج المؤسسة قد يغير دائرة المستفيدين من الوزارة وقطاعاتها بعد أن أصبحت الأمور تقاس بعلاقة المثقف الشخصية بمن يتولى الوظيفة العامة.. فكرة تكرس تماما لما قامت ثورة 25 يناير للقضاء عليه). وفي إطار لعبة الكراسي الوظيفية التي احتكرها مثقفو السلطة يخرج علينا أبوغازي بإحدى أعاجيبه فينقل رئيس هيئة قصور الثقافة (رغم كل الانتقادات التي وجهت له بهيئة قصور الثقافة) رئيسا لهيئة الكتاب، وكأن مصر عقمت منذ تولي فاروق حسني ليظل رجاله يجثمون على جسد وروح الثقافة المصرية. بينما غالبية قيادات قطاعات الوزارة كان يجب أن يحاكموا عما فعلوه من إفساد ثقافي؛ سواء في المجلس الأعلى للثقافة الذي كان عقل الوزير فاروق حسني وساعده، والذي شوه جوائز الدولة والذي استبعد كل المثقفين الشرفاء من لجانه وغيَّب متعمدا الأدباء والمثقفين في الأقاليم وكأنهم ليسوا من هذا الوطن! كما يكفيه فسادا منح التفرغ، ويكفي أن هذه المنح كانت تمنح بعلاقة مع صغار الموظفين ويحرم منها من لا يهادن أو ينافق. لا فرق في هذا بين عهد جابر عصفور أو عهد عماد أبوغازي. أما هيئة الكتاب فتوارى دورها لصالح دور النشر الخاصة، وأصبح مشروع مكتبة الأسرة سبوبة تمنح لقيادات صحفية تعمل لصالح نظام مبارك بينما يحرم من المشروع أغلب الأدباء والكتاب. أما ما يخص صندوق التنمية الثقافية، فكثير من ملفاته تحتاج إلى تحقيقات جنائية، كما هو الحال في هيئة الآثار. طبعا هناك أيضا المجلس القومي لثقافة الطفل إن كنتم سمعتم عنه. أما بخصوص هيئة قصور الثقافة فحدث ولا حرج، وتساءل كما تشاء عن ميزانيات مشروع القراءة للجميع، وأين كانت تذهب ولمن تمنح مكافآتها، وتساءل كما تشاء عن باقي الأنشطة؟! أما المشروع القومي للترجمة، فقارن بينه وبين مشروع "كلمة" للترجمة بأبوظبي، ولا تخدعك فكرة الكم التي يراهن عليها المسئولون في بلادنا. رحل وزير وجاء آخر. ليس لمجرد أن نغير اسم الوزير. ولكن لنغير سياسة وزارة أضاعت الثقافة المصرية لثلاثين عاما. ألا يليق بهؤلاء الكهنة أن يفعلوا شيئا حقيقيا لصالح ثقافة هذا الوطن، بدلا من أن يتلاعبوا بالألفاظ، ويصبح كهَّان الأمس هم كهَّان الثورة ولن يتغير شيء أكثر من تقديم القرابين لوجه جديد. هل عقمت مصر من الإسكندرية إلى أسوان وحلايب وشلاتين، من سيناء إلى مرسى مطروح لتظل هذه الوجوه جاثمة فوق صدورنا. سياسة خطوات السلحفاة التي اتبعها نظام مبارك السابق، يعيد إنتاجها لنا من جديد د. عماد أبوغازي وزير ثقافة مصر في حكومة ما بعد الثورة. ولا يظن أحد أنني أتعجل في الحكم عليه.. لأن إرادة الإصلاح والتغيير تبدأ بفكرة وحلم لم يخايل هؤلاء الكهنة، ولا تحتاج أن نصبر لثلاثين عاما أخرى. فالإصلاح لن يبدأ إلا بتغيير تلك الوجوه. والأمر لا يحتاج إلا إلى قرار لا أظنه سيصدر أبدا من هؤلاء السدنة. أحمد طوسون ـ أديب مصري |
الجمعة، 25 مارس 2011
وجوه ثقافية لكل العصور!
مرسلة بواسطة
الشاعرة
في
11:37 ص
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة على X
المشاركة في Facebook
0 التعليقات:
إرسال تعليق