الجمعة، 17 سبتمبر 2010

رزق الله قبل رحيله : أرسم أمي لأواجه مخاوف الدنيا


عدلي رزق الله

القاهرة : فقدت الساحة التشكيلية أحد رموزها وهو الفنان عدلي رزق الذي احترف الرسم بالألوان المائية، وقد وافته المنية بمستشفى السلام الدولي بالمهندسين حيث كان يرقد في غرفة العناية المركزة بعد صراع طويل مع المرض.

ولد الفنان رزق الله في 20 يناير عام 1939 بأسيوط، وتخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1961، كما درس الفن بجامعة استراسورج (1974 – 1978). عمل كرسام في دار الهلال، واستاذا بجامعة استراسبورج بمعهد الفنون التشكيلية، كما أشرف فنيا على دار الفتى العربي، وتفرج للفن عام 1980.

رزق الله فنان متفرد له شخصيته المستقلة، يمتلك خصوصية شديدة جدا بينه وبين جمهوره، يقدرهم، ويفكر دائما فيما يجب عليه فعله كي يقتربوا منه. اشتهر بعدم افتتاح معارضه، حتى لا يتقدم جمهوره المسئولون ويأتي الجمهور وكأنه صف ثاني.

رفض الكسب السريع ليتذوق طعم النجاح، وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققه في مجال رسوم الأطفال بمجلات باريس إلا أنه لم يستمر، ولم يستسلم لظروف معيشته القاسية ومتطلبات الحياة الأسرية.

يعتبر أول من قام بتسعير اللوحة في مصر ومنع إهدائها، بل وبيعها بالتقسيط أيضا، وكان يحدد أسعار منخفضة للوحاته ما بين 30 و50 و80 جنيه للوحة فقط !! ، وبذلك كانت لوحاته تباع بكثرة.

'أرجو من الفنانين التشكيليين ألا يحضروا معرضي. ولهم جزيل الشكر'، هذه الجملة وضعها بدلا من كارت الدعوة لأحد معارضه في فترة الثمانينات، وقد أثارت غضب الفنانين أصدقائه، وكان رزق الله يعتقد أن الفنانين سيأخذوا منه الأضواء إذا حضروا يوم الافتتاح !

عندما يعمل رزق الله بالألوان المائية لا يستطيع الرسم على أي ضوء صناعي، بل يرسم على الضوء الرباني بالكون، وأيامه انقسمت نصفين؛ الأول للألوان المائية صباحا ، والآخر الليلي للقراءة.

حياة مع اللون

في أعماله نشاهد السيدات وهن يمشين في الصحراء يلبسن عباءات فضفاضة، حينما ننظر إليهن من بعد نراهن كبقع لونية، وهذا ما ساعدت عليه شمس الصحراء الحارقة، كما أننا نرى على طريق الصعيد الشخص إما يسير بمفرده، أو وسط مجموعة.

البقعة اللونية في لوحات رزق الله تصدر أنغاما من أوتار شدتها، بينما تقل في أحيان أخرى، أحيانا نشعر وكأن شخصيات اللوحة "يعددون" بصوت مسموع وهم ذاهبون للمقابر، ونستمع لغنائهم وهم ذاهبون للأفراح؛ ولذلك تعطينا الإنطباعات الحسية البصرية التي تنفذ إلينا مباشرة .

هو أيضا فنان يرسم الهواء بريشته، نراه حينما تتطاير ملابس أشخاصه وتتمايل سيقان نخيله، وذلك في أوقات مختلفة من اليوم، فنشاهدها فجرا أو عصرا أو ظهرا، أو في أوقات الغروب.

يستخدم الفنان المنظور الأفقي حين يرسم لوحاته؛ لأنه يواجه المتفرج مباشرة، كما استوحى بعض أشخاصه الذين ظهروا تجريديين من الفن الفرعوني؛ لتشعرنا بالأبدية، ورسم الضوء في رعشات، كأننا نشاهد تلك النخلة حينما نركب قطارا، فنجد وقتها الضوء يرتعش على جسدها، وقد أراد تسجيل اللحظة بصدق شديد.

عبر عن الأمومة ولكن برؤية جديدة، عبارة عن بقع لونية قوس قزحية غريبة، استوحى تلك البقع من جلباب أمه السوداء، التي صورها على أنها جبل أو مرسومة من كتل صخرية، يصور بطشها اللونية من العجن والخبز والغسيل وجلي النحاس وواجباتها المنزلية، كما أننا نرى بلل الجلباب من الرضاعة.

قال الفنان في أحد حواراته مع "محيط" 'زوجتي كان لها دور كبير في كل مراحلي، فهي لم تشكو، بخلاف ما حدث مع الفنان العالمي 'جوجان'، فقد كانت زوجتي مصرة أن تتزوج من فنان، على الرغم من أن عملي يأخذ كل وقتي، فالفن عندي مهمة يومية، أمارسه بانتظام، وهذا يعني أنني أمتلك درجة عالية من الحرية في الحركة، والفن بالنسبة لي هو طريق الحياة السعيدة، إذ أنه ينشيء حالة الرضا عن النفس، ويساعد على إتزانك، كما أنه يغذي الوجدان، فيجب ألا تأكل حياتنا العملية وقتنا بالكامل".

وقال أيضا "أعشق شيئين ؛ الكلمة واللون، وبنفس الدرجة، وجدتي قتلتني بأشياء بها كره وقبح، وأتذكر حينما كنت في السابعة من عمري دخلت فوجدت جدتي تخفي شيئا خلفها واكتشفت أنها كانت توزع حلوى على أقاربي ورفضت أن أنتظرها بالخارج فأنا لست من الدرجة الثانية ولا أحب أن تعاملني هكذا، من يومها انطلقت لعالمي "القصص والحواديت" والرسوم وكنت اجدهم بمكتبة بمحل العلاف، الذي كان يبيع الجرائد القديمة والمجلات ضمن تجارته في الأربعينات".

وأضاف لـ"محيط" "حينما اشعر بخوف من دنياي أجري على أمي كي أرسمها وأعبر عن حنانها، فهذا هو الباعث الداخلي الذي يدفعني لرسم أمي.

محطات


أقام الفنان الراحل عدلي رزق الله أكثر من خمسين معرضا خاصا، كما شارك في حوالي ثمانية معرض جماعي، ومن المعارض الدولية الني شارك بها: بينالي القاهرة الدولي في عام 1998، معرض الأسبوع الثقافي المصري بالشارقة عام 2000، ومعرض مصريات في جاليري روشان للفنون بجدة عام 2010. وكرم في بينالي الإسكندرية العشرين لدول البحر المتوسط عام 1999.

نال الفنان الراحل شهرة كبيرة في مجال رسوم الأطفال؛ حيث كان يقوم بتأليف ورسم كتب الأطفال برؤيته الخاصة، ومن بين هذه الكتب: "مينى ومينيت" والذي صدر عن دار فلوروس للنشر في باريس عام 1978، "الأوزه البيضاء" عن دار الفتى العربي عام 1980، "القط يحب الغناء" عام 1983، " الفانوس والألوان" عام 1983،" العب .. العب .. العب وتعلم ( تمر ) العدد 1 ، 2 " وهو مشروع لتعليم الأطفال بصريا عن طريق الفن في عام 1995 .

كما صدر له "اشعار صلاح عبد الصبور ومائيات عدلى رزق الله" في عام 2001، وله سلسلة من الحكايات من بينها: "الشجرة أم الظل الكبير" و"الفانوس السحرى والألوان" و"شجرة الورد وطائر الشمال" عام 2000 ، "الطائر المغنى" عام 2001 ، "الفنان والاحلام" قي بيروت عام 2004.

وكان له تحت الطبع كتب "ماذا حدث فىdالقرن العشرين في الفن الغربي 10 اجزاء، "شلبية إبراهيم ( جنية الدلتا (، "الوصول إلى البداية" وهو الجزء الثاني من سيرة ذاتية .

كان رزق الله ينشر مقالاته تحت اسم "نص تشكيلي لفنان" في كل من مجلة الهلال وأخبار الأدب.

ومن الجوائز التي حصدها الفنان جائزة "سوزان مبارك" عام 1999، "الجائزة الشرفية للمجلس العالمي لكتاب الطفل عام 2000، "معرض لينبرج الدولي" بالمانيا عام 1980، "المركز العالمي لكتب الأطفال" في سويسرا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق