الأحد، 19 ديسمبر 2010

المرأة والإبداع في العراق

عن الإبداع النسوي العراقي

الثقافة العراقية أخذت مديات أبعد من كونها ثقافة تواصل، وثقافة امتداد تاريخي لأصول متجذرة في عمق التاريخ العراقي.

بقلم: ماجد الكعبي

نأمل لكل جهد إبداعي جديد أن يرى النور

المشهد الثقافي الراهن، هو مشهد يسير وفق آليات يرتفع من خلالها نحو آفاق الإبداع عامة. ويتداخل المشهد مع بعضه البعض من أجل الحفاظ على هويته دون إشكالية التنوع الفسيفسائي الموجود في العراق، وبذا هو نتاج فكري الكل يشارك بصنعه وهذا ما كان عبر التاريخ. فكان لا بد من مشاركة الجميع بنمو وتطور الإبداع العراقي الخالد والذي ظل عنوانا لتاريخ أدبي طويل.

وفي مجالات الإبداع المتنوعة نجد أن الثقافة العراقية أخذت مديات أبعد من كونها ثقافة تواصل، وثقافة امتداد تاريخي لأصول متجذرة في عمق التاريخ العراقي. بل تعدى ذلك إلى اعتبار الثقافة العراقية ثقافة متطورة ومتحضرة لأنها تعتمد على الإنسان ومعاناته وآلامه وقدرته على التغيير والتطلع نحو الغد.

هذه الثقافة تظل بحاجة إلى كل الأقلام المبدعة دون النظر إلى جنس الكاتب أو انتمائه. ومطلوب مشاركة أوسع للمرأة العراقية في صناعة المشهد الثقافة الملتزم والتي سبق وأن صنعت فيه تاريخا إبداعيا متميزا من خلال أسماء نسائية شاركت في صناعة المشهد والإبداع فيه.

وكلنا يتذكر أسماء كان لها تأثرها في واقع القصة العراقية مثل لطيفة الدليمي وابتسام عبدالله وميسلون هادي وعالية طالب وأحلام منصور وفردوس العبادي وكلشان البياتي وازدهار سلمان وذكرى محمد نادر وبديعة أمين وديزي الأمير وبثينة الناصري وإرادة الجبوري وهدية حسين وكليزار أنور وغيرهن.

وأخريات كتبن الشعر وتميزن به ابتداء من الرائدة نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي ولميعة عباس عمارة وأمل الجبوري وبشرى البستاني وسلوى الربيعي وفليحة حسن ولهيب عبدالخالق وريم قيس كبة ودنيا ميخائيل ونجاة عبدالله وسهام الناصر وزهور دكسن وغيرهن.

ومن منا لا يتذكر قصيدة الرائدة نازك الملائكة "الكوليرا" التي ظلت إلى الآن تتردد على ألسنتنا:

تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموت ‏الكوليرا ‏في كهف الرعب مع الأشلاء ‏في صمت الأبد القاسي حيث الموت دواء ‏استيقظ داء الكوليرا ‏حقداً يتدفق موتورا‏ هبط الوادي المرح الوضاء ‏يصرخ مضطرباً مجنوناً ‏لا يسمع صوت الباكينا ‏في كل مكان خلّف مخلبه أصداء ‏في كوخ الفلاحة في البيت ‏لا شيء سوى صرخات الموت ‏الموت الموت الموت‏ في شخص الكوليرا ينتقم الموت.‏

وكانت الأسماء النسائية الأدبية، تؤرخ لمراحل متعددة من الكتابة، فهن كتبن منذ مطلع الخمسينيات وحتى طلوع الألفية الثالثة، بإبداع تميزن به على أقرانهن في البلاد الأخرى. وما مشاركتهن في المشهد إلا دليل وعي وإدراك لحقيقة التأثير المباشر على واقع الثقافة العراقية في كل الأزمنة.

الأسماء الأدبية النسائية تؤرخ لمراحل متعددة من الكتابة

وإذ نستذكر اليوم المشهد النسوي العراقي، فإننا نريد إضافة كل المنجز الذي صنع من قبلهن أن يذكر ضمن تاريخ الأدب العراقي باعتبار إنهن عانين وقهرن وتألمن كما هو حال كل العراقيين الآخرين.

إن وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والمنظمات النسوية، كفيلة بأن ترعى المواهب الجديدة في الأدب النسوي وتكون بمستوى الأهمية التي تشكلها القفزة الأدبية النسائية في العراق، كالاحتفاء بصدور مجموعة شعرية أو قصصية أو الاحتفاء بحصول إحدى الأديبات على جائزة ما في مسابقة أدبية أو الاحتفاء بالمنجز النسوي الشعري أو القصصي أو الروائي على مدار تاريخ أول الكتابة النسوية في العراق وحتى الآن.

ويسهم هذا في تشجيع الكثير من المواهب الجديدة في الظهور وإعطائهن الدعم اللازم في هذا الاتجاه. ولتكن كل الأديبات تحت أنظار الجهات الثقافية لكي نخلق قاعدة متينة لصناعة الإبداع الذي يحتاج لقليل من التشجيع ليس إلا. إضافة إلى تخصيص بعض الصفحات الثقافية المحلية ملفات خاصة عن بعض الأسماء النسائية في القصة أو الشعر من المواهب الجديدة وتخصيص زاوية للدراسات النقدية لما ينشر.

ويعمل هذا الإجراء على ظهور أسماء كثيرة يمكن لها أن تبلور أسلوبها الكتابي بعد نشر نتاجهن أمام الملأ. وبهذا سيتحقق نموا تصاعديا في تسجيل الأقلام الجديدة والتي كانت مخبوءة تحت ركام التقاليد واحتكار الصنعة الثقافية لبعض الصحف التي لا تتعامل مع الأقلام الجديدة خوفا على مطبوعها من الضعف ولا تدري هذه الصحف بأنها ترتكب خطا فادحا بحرمان الأقلام الواعدة من فرصة النشر وإظهار المبدعات إلى الناس.

وقد سجلت الثقافة العراقية تأشير عدد كبير من الأقلام النسائية في العقدين الماضيين وصرنا نقرأ لكل الأسماء الشعرية والقصصية باستمرار حتى تألقت تلك الأسماء وكتبت عن بعضها الدراسات النقدية والبحثية وأشرت تجاربها الصحافة المحلية والعربية، بل حتى اشتركن في تجارب قصصية وشعرية في خارج العراق واستقطبن جمهورا ونقادا ناهيك عن الإصدارات الكثيرة والمتعددة من شعر ورواية وقصة ودراسات نقدية سجلت حضورا في الساحة الثقافية والأدبية العراقية.

نأمل لكل جهد إبداعي جديد أن يرى النور طالما أنه يصب في صالح الفضاء الإبداعي العراقي عامة.

majidalkabi@yahoo.co.uk

0 التعليقات:

إرسال تعليق