الخميس، 19 أغسطس 2010

شاعر ممتليءٌ حياة




صاحب 'عيون بنات القاهرة' يصدر أعماله الشعرية الكاملة


د. محمد زكي العشماوي: شعر علي الباز يحتاج إلى دراسات تحليلية نقدية تكشف لنا عن أسرار خفية في نتاجه.

 ايست اونلاينميدلكتب ـ أحمد فضل شبلول


على الرغم من إبداعاته الشعرية المتوالية، وغناء بعض الفنانين (مثل شادية وفايزة أحمد) لكلماته الرقيقة، وإبحاره المستمر في فضاء التراث العربي شعره ونثره، قراءةً واستثمارًا إبداعيا، إلا أنني أشهد أن الشاعر الدكتور علي الباز أحد مظاليم حياتنا الشعرية المعاصرة. ربما خجله الإنساني ورقته المتناهية وعزوفه عن الأضواء والشهرة وانشغاله الدائم بعمله الأساسي (وهو القانون)، أبعده عن الكثير من الملتقيات والندوات الكبرى التي تعقد هنا وهناك. رغم أنه كان أحد الأصوات الأساسية في مهرجانات القاهرة والإسكندرية الشعرية منذ الستينيات وخلال السبعينيات، وقبل أن يسافر للعمل في دولة الكويت.
وأعترف هنا أن الشاعر د. علي الباز أحد الذين قدموني إلى الحياة الأدبية في مصر، وذلك عندما أصدرت ديواني الأول "مسافر إلى الله" عام 1980 وكان يعمل وقتها مديرا لأمن إذاعة الإسكندرية، فذهبت إليه في مكتبه بالإذاعة في باكوس، لأهدية نسخة من الديوان، فإذا به يوصيني بمقابلة صديقه الشاعر فاروق جويدة بجريدة الأهرام وإهدائه نسخة من الديوان، وبالفعل أذهب إلى القاهرة وألتقي الشاعر فاروق جويدة الذي هاتفه الباز قبل ذهابي إليه، وأجد استقبالا جميلا من جويدة الذي ينشر في الأهرام خبرا عن الديوان وقصيدة منه بعنوان "هذا النهار تجلّى لنا" في "صالون الأربعاء" الذي كان يحتفي بالشعراء الشباب، ويتوالى نشر قصائدي في هذا الباب الذي لم يستمر طويلا بالأهرام.
وقد نسي الشاعر د. علي الباز هذا الأمر عندما كنت أذكره بشيء من تشجيعه لي في بداية الرحلة، ولكنني لم أنس من أسدى إلي جميلا أو صنيعا في طريق الأدب الطويل.
المهم أن د. علي الباز يغادر مصر منذ سنوات للعمل في دولة الكويت، ويخبو بالتالي حضوره في ندوات الإسكندرية العامرة، ونتلصص على أخباره بين الحين والآخر، ونعرف أنه لا يزال على درب الشعر يسير بخطى واثقة، إلى أن جاءني صوته عبر الهاتف من الكويت عندما كنت أعمل في الرياض، ليرشحني مراسلا لمعجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين في طبعته الأولى، وأسأله عن الشعر، فيخبرني أنه بخير.
ويفاجئنا الشاعر الدكتور علي الباز منذ أسابيع قليلة بصدور مجلدين شعريين يحتويان على الأعمال الشعرية الكاملة له، والتي ضمت قصائد من دواوينه: عيون بنات القاهرة، حبيباتي، دقات قلب، عندما يبحر القلب، تعبتُ من العشق، مسافر في العيون، أعطيتك عمري، أمطريني حبا، استقالة شاعر، الآن أعترف، مع دراسات نقدية تضيء تلك الأعمال الشعرية بأقلام: د. محمد زكي العشماوي، وفاروق شوشة، ود. محمد مصطفى هدارة، ود. السعيد الورقي، وإبراهيم صبري، ود. فوزي خضر، ومحمود عبدالصمد زكريا.
يقول الشاعر فاروق شوشة عن شعر د. علي الباز إنه "ينفتح على مدى عريض وشاسع من الإيحاء باللفظ والصورة والقدرة على إبداع الرمز في رحلة دائبة للاكتشاف والارتياد من أجل سبر أغوار الأشياء ومحاولة الوصول إلى الحقائق البعيدة المحجوبة، كما ينفتح شعره على فضاء واسع تحلق فيه عناصر رؤيته ورؤياه معا، وقد امتزجا وتكاملتا في نسيج شعري محكم ولغة بديعة شديدة الرقة والصفاء والعذوبة".
ويرى الدكتور محمد زكي العشماوي أن شعر علي الباز يحتاج إلى دراسات تحليلية نقدية لكي تكشف لنا عن أسرار خفية في نتاج هذا الشاعر المبدع".
ويشير العشماوي إلى أن لغة الحب عند شاعرنا "ترجع إلى طبيعته الحساسة العاشقة وصياغته ليست صياغة رومانسية خالصة وليست واقعية خالصة، كما أنها لا تهدف لتحقيق الجمال وحده، ولكن صياغته تجمع بين الإيقاع الحديث والقديم لشعرنا العربي، تجمع بين الأصالة والمعاصرة".
ويلفتنا الناقد الراحل إلى موسيقى الشعر عند علي الباز فيقول: "موسيقى الشعر عند علي الباز هي من أبرز خصائص شعره، وصياغته رغم بساطتها ورقة كلماتها فإنها تمزج في تركيبها وإيقاعاتها بين لغة التراث في رصانتها وبين عذوبة الشاعر ورقة عبارته".
ومن يلتقي د. علي الباز يرى العشق مرسوما على محياه، وتسمع الشعر في نبرات صوته، وفي إيقاع كلماته النثرية التي يحدثك بها حديثا عاديا، وربما هذا ما يفسره الناقد الدكتور السعيد الورقي عندما كتب عنه قائلا "إنه شاعر ممتليء حياة، والحياة عنده عشق دائم".
وما دام هناك شعر وحياة وعشق فلا بد من وجود المرأة الملهمة المعشوقة التي يفسر وجودها د. الورقي في حياة الباز قائلا: "تأتي المرأة المعشوقة، العاشقة في شعره معادلا لتجسيد هذا الإحساس المترع بالحب والجمال ودفء الحياة، فما الحياة سوى امرأة جميلة تحبها وتحبك".
ويؤكد الورقي أن المرأة عند الباز "دفق من المشاعر الجياشة التي تحتضن الكون، وتتوحد فيه وبه ومعه. في نشوتها كمال اللحظة وتوهجها وصفاء الرؤية وانتعاشها وحرية الانطلاق في فضاء شعري لا تحده حدود. إنها الشعر في أصفى تجلياته."
ويخلص الناقد الدكتور السعيد الورقي في دراسة مطولة في شعر علي الباز إلى أن الشاعر "حقق لتجربته الشعرية الخصوصية والتفرد".
ويذهب الناقد الدكتور محمد مصطفى هدارة وجهة أخرى في شعر علي الباز موضحا أن للإسكندرية تأثيرا كبيرا على شعره، والبحر دائما ماثل مسيطر على عالمه الشعري، أما تأثير الريف عليه فيتمثل في حبه للحرية وفي الإباء، وشعره شعر غنائي حقيقي يتمثل خاصة في أناشيد الحب والعشق".
ويؤكد د. هدارة قضية العشق في شعر الباز قائلا: "هو شاعر عاشق دائما بكل معنى عميق للعشق إلى درجة التصوف كالحلاج وغيره من الصوفية". كما يؤكد على الخصوصية في شعره التي رآها د. السعيد الورقي موضحا أنه "يتميز بخصوصية في فنه، خصوصية الأسلوب السهل، لغته هي لغة الحياة اليومية، ولكنه يمتلك ناصيتها بجدارة وإيقاعه هو إيقاع العصر ويتميز بالبساطة في تراكيب الجمال الإيقاعي الذي يملكه".
هكذا أكّد نقاد د. علي الباز ومتابعو شعره على قضية العشق، ولكن الشاعر يعلن تعبه من هذا العشق، فيصدر ديوانا يحمل عنوانا لافتا هو "تعبتُ .. من العشق"، قائلا في القصيدة التي حملت عنوان الديوان:

عشقتُ كثيرا .. تعبتُ كثيرا
فلا تُتعبيني .. بعشق جديدْ
تعبتُ من العشق، عامٌ .. شقيٌّ
ويومٌ ـ وقل بعض يوم ـ سعيدْ
وما عاد في القلب .. جهد .. ليشقى
وما عاد في العمر .. ذاك الرصيدْ
وما عاد عندي .. مكانٌ لقيد
فقد كبلتْ معصميَّ .. القيود
وما موطيء في فؤادي .. لجرح
جديد .. ولا موضع يستزيد
وما عاد يشجيه لحنُ الغرام
وكم صار يُشقيه ذاك النشيد
أعود إلى الشوق؟! من جرَّب النار
أنَّي إلى النار .. يوما يعود

يذكر أن الشاعر د. علي الباز من مواليد محافظة دمياط المصرية عام 1941 وحصل على دكتوراه القانون العام من كلية الحقوق جامعة الإسكندرية عام 1978، وعمل ضابطا بالشرطة المصرية، ووصل إلى رتبة لواء، ويعمل حاليا أستاذ القانون العام بكلية الحقوق وأكاديمية العلوم الأمنية بالكويت.
أصدر د. علي الباز ما يزيد على الثلاثين مؤلفا وبحثا علميا في مجالات القانون الدستوري، والقانون الإداري، والإدارة العامة، والنظم السياسية، وغيرها. وشارك بأبحاثه العلمية في العديد من المؤتمرات الدولية، كما شارك ببحث عن الحقوق السياسية للمرأة في مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في بكين عام 1995.
بدأت رحلة الباز مع الشعر منذ الصبا الباكر، وبدأ في نشر شعره في الصحف والمجلات المصرية منذ عام 1965 وخاصة في الأهرام والأخبار ومجلة الهلال وغيرها. وكتب العديد من الأغنيات والقصائد لكبار المطربين والمطربات، وأذيعت أشعاره في الإذاعات المصرية والعربية والإذاعة البريطانية (القسم العربي) منذ عام 1965. وأصدر ديوانه الأول بعنوان "عيون بنات القاهرة" عام 1968، ثم توالت مجموعاته الشعرية التي احتوت على قصائد شعرية في الشكلين العمودي والتفعيلي. وترجمت بعض قصائده إلى اللغات: الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والهندية والأوردية واليونانية والإيطالية والفارسية.
حصل الشاعر د. علي الباز على جائزة الشعر من المجلس الأعلى للآداب والفنون في مصر (المجلس الأعلى للثقافة حاليا) عام 1974. كما حصل على وسام الجمهورية للعلوم والآداب في مصر عام 1979. وتدرس بعض قصائده في بعض الجامعات المصرية والعربية.

أحمد فضل شبلول ـ الكويت

0 التعليقات:

إرسال تعليق